3
ذات يوم جمع حكيم طلابه وأراد أن يعلمهم فن الرماية فوضع طائرًا خشبًّا كهدف وطلب من أتباعه أن يصوبوا على عين الطائر، وسأل الحكيم أحد طلابه وهو يستعد للتصويب: ماذا ترى؟ فقال: أرى الأشجار، والفروع، والأوراق، والطائر وعينه. وسأل الحكيم السؤال نفسه للطالب التالي، فأجاب: أرى فقط عين الطائر، فقال الحكيم: جيد جدَّا.. الآن صوب، فذهب السهم مباشرة وأصاب عين الطائر. ونتعلم من هذه القصة أهمية تحديد الأهداف، ولكنها لن تتجسد على أرض الواقع إن لم ندعمها بقوة التركيز، إن لم نركز بؤرة اهتمامنا فلن نستطيع تحقيق أهدافنا، يقول شيف كيرا: في يوم مشمس لن تستطيع أقوى عدسة مكبرة إشعال قطعة من الورق إذا ظللت تحرك العدسة، لكن إذا جعلت الضوء في بؤرة وركزته على موضع واحد، فستحترق الورقة.. إنها قوة التركيز. إن تحديد الأهداف بدقة يعين على التركيز، على سبيل المثال عندما تشتري تذكرة طيران، ما المعلومات التي تحتوي عليها هذه التذكرة؟ إنها معلومات محددة عن: نقطة البداية – مكان الوصول – درجة السفر – السعر – وقت الإقلاع – وقت الوصول. إذا سألت معظم الناس عن هدفهم الأساسي في الحياة، ربما يمنحونك إجابات عامة غير محددة مثل أريد أن أكون ناجحًا، سعيدًا، ميسور الحال، وتلك أمنيات وليس فيها هدف محدد، والبعض يخرج من الأمنيات إلى تحديد أهداف كثيرة يتشتت معها تركيزه أو قد يحدد مجالًا أو هدفًا لا يتناسب مع قدراته وإمكاناته ومواهبه. يُروى أن الإمام البخاري حاول في أول أمره تعلم الفقه والتبحر فيه، فقال له محمد بن الحسن: اذهب واشتغل بعلم الحديث، عندما رآه مناسبًا لقدراته وأليق به وأقرب إليه، وقد أطاعه البخاري ومن ثم صار على رأس المحدثين بل وإمامهم. وبينما ترك الإمام البخاري الفقه وتفوق في الحديث اختار الإمام أبوحنيفة النعمان الفقه وتفوق فيه حتى قال عنه الإمام الشافعي: «الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة». فاختيار الهدف المناسب يعين على التركيز ويؤدي إلى النجاح في تحقيقه، وذلك ليس في مجال طلب العلم وحسب بل في كل مجالات الحياة. في عالم التجارة والمال، حاولت شركة (3M) عمل كل شيء، فأدركت أن الفرص الكبيرة تضيع وسط الزحام، فطالبت كل فرع للشركة بالتركيز على منتجين يملكان أفضل فرص للنجاح، فلما فعلت ذلك انقلبت الخسائر إلى أرباح. لقد أصبح التركيز هنا شرطًا من شروط النجاح بتفوق، ولكن كيف نتدرب على التركيز؟ في الإجابة على هذا السؤال يعتبر جون كيهو مؤلف كتاب «قوة العقل في القرن الحادي والعشرين» أن القدرة على تركيز ذهنك وتوجيهه إلى فكرة وحيدة أو مشروع محدد يعد شرطًا أساسيًا لاستخدام قوة العقل، فإننا لو لم ندرب عقلنا على هذه القوة فسنجد صعوبة وعناء بالغين في الانتقال من فكرة إلى أخرى، ويؤكد كيهو أن عدم التركيز سيجعل العقل في حالة اضطراب وسيتطلب الأمر منا الجهد والقوة كي يمكننا توجيهه، وتوجيه العقل هو بالضبط ما ينبغي علينا أن نتعلمه، فلتوجه عقلك بحيث يفكر في الأفكار التي تتخيرها، واطرد منه كل الأفكار التي ترغب في إبعادها عن ذهنك, ذلك أننا حين نستسلم أمام كل فكرة تراود أذهاننا وندعها أخذنا معها في الاتجاه الذي تسير فيه، نبقى حبيسي أوهامنا وهمومنا، لأن كل فكرة تسيطر علينا وتخضعنا لقوتها، وبتعلمك التركيز فإنك تعيد إلى نفسك هذه السيطرة، فتثبيت عقلك من خلال مجموعة متنوعة من أساليب التركيز ينظم العقل ويقويه. ويرى كيهو ان أسلوب التأمل من أفضل أساليب تطوير قوى التركيز الخاصة بك، فهو لا يشحذ العقل ويقويه فقط، بل يتيح رؤية أشمل لما تقوم بسبر أغواره من خلال ممارسة التأمل. خالد خلاوي